الجمعة، أبريل 12

رب ارحمهما


وحــده –بعيدا عنا- كان جالسا يرتدى ثوب الجمعة الأبيض المفضل لديه.

لم تأخذ الأيام التى قضاها بعيدا منه شيئا، لازال شعره جميلا،مصففا بعناية له نفس السواد اللامع إلا من بضع شعرات بيضاء تطل على استحياء لتخبر العامة بعناء أنه شاب الأحد وأربعون ربيعا فى أبهى صورة.

لم تجدر السنون كلها على إضافة تجعيدة واحدة لوجهه ولا مائة جرام دهون زائدة حول خصره تخبر بتقدمه فى العمر اثنى عشر عاما عما تركنا.

تطل سيجارته من بين أصابعه..يدخنها فى صمت وتركيز بليغان، لو لم أكن أعلم أن أبي ليس بروائي ولا بشاعر لظننته أحدهم يخرج تحفته الجديدة.

لم أستطع البقاء معهم أكثر، كنت أشتاقه كثيرا، تركتهم مهرولة إليه ارتميت على جانبه وكتفه بدلال طفلة الأربعة عشر عاما كما تركنى. لكنى لم أكن كوقتها، كنت بالفعل أحمل ملامح سني كنت أحمل تحت عيناى وفى تفاصيل جسدى ست وعشرون خريفا لا ينقص من عمرهم شئ.

حدثته...
- انت كنت واحشنى قوى مكنتش متوقعة إنى هشوفك تانى
- وانتى كمان وحشتينى قوى كنت عايز اخرج بس عشانك.
بدموع قاطعته
- طب ليه هما كدبوا عليا وقالولى انك مت؟ ليه مش قالولى الحقيقة على الأقل كنت هقدر آجي أشوفك فى السجن إنما يموتوك عشان أنا مااشوفكش؟!
 لم يفعل شيئا سوى احتضانى...

قطع صمتنا صوت أمي يخبره أنها ظلت طوال السنون تعالجنى من فراقه وتطلب منه أن يكمل ما بدأته هى،،أن يكمل علاجى..أن يوقفنى عن البكاء...لكنه لم يستطع!.

وحدها يد أمى الحنون أحست ببكائى ممدة إلى جوارها لا أقوى على حمل نملة،،تمطرنى بسيل من آيات الرقيا الشرعية واستعاذات بالله من شيطان رجيم مسنى وهى تمسح على كل جزء من جسدى
- انتى بتحلمى،،،، أتانى صوتها
- أصله مجاش من زمان ،،،، بصوت مختنق أجبتها